القنيطرة ما زالت عطشى: عام ونصف من الجفاف يهدد الزراعة والمياه الجوفية
تقرير ميداني –اسامه الكومه – القنيطرة – أيلول 2025
تتشقق الأرض في سهول القنيطرة مع نهاية صيف 2025، وتبدو آثار الجفاف واضحة في كل اتجاه. تراجع الغطاء الأخضر، وتوقفت مساحات واسعة عن الإنتاج الزراعي، فيما بقيت قنوات الريّ خالية من الماء.
سدود المحافظة شبه خاوية، وآبار ارتوازية كانت تروي آلاف الدونمات أصبحت عاجزة عن ضخّ الماء. المشهد يختصر حصيلة عامٍ قاسٍ من قلة الأمطار التي ضربت المنطقة في موسم 2024، واستمرت نتائجها حتى اليوم.
بدأت الأزمة في شتاء 2024 حين سجّلت القنيطرة هطولات مطرية هي الأدنى منذ أكثر من عقد. الموسم المطري لم يتجاوز نصف المعدل السنوي، والثلوج التي كانت ترفد الينابيع الجبلية لم تسقط بالشكل المعتاد.
انخفضت تغذية السدود والينابيع، فبدأت السطوح المائية تتراجع تدريجياً حتى جفّت في الصيف التالي. ومع حلول خريف 2024، كانت معظم السدود تعمل بأقل من 20% من طاقتها التخزينية.
رغم مرور أكثر من عام على بداية الجفاف، لم تستعد القنيطرة عافيتها المائية. الأمطار المحدودة التي هطلت في شتاء 2025 لم تكن كافية لإعادة ملء السدود أو تحسين منسوب المياه الجوفية.
تستمر التربة بفقدان رطوبتها، وتزداد ملوحة بعض الأراضي نتيجة ضعف الغسل الطبيعي. كثير من المزارعين اضطروا لترك أراضيهم بوراً هذا الموسم بعد أن أصبحت كلفة الريّ مرتفعة جداً بسبب ضعف الضخّ وعمق الآبار.
تراجع منسوب المياه في سدود الرقاد وكودنة وبئر عجم إلى مستويات حرجة. المساحات المائية تقلّصت إلى بضع برك معزولة وسط السدود الجافة، وأرضياتها امتلأت بالشقوق والطين المتصلّب.
الآبار الارتوازية التي شكّلت طوق النجاة في السنوات الماضية لم تصمد أمام الضغط المستمر. عمق المياه ازداد، وكفاءة الضخّ تراجعت، ما جعل تشغيلها يتطلب طاقة وكلفة أعلى من قدرة المزارعين.
الحقول التي لم تُزرع في صيف 2024 بقيت على حالها في 2025. الزراعات البعلية فشلت بسبب استمرار الجفاف، والزراعات المروية تراجعت نتيجة ندرة المياه وارتفاع تكاليف التشغيل.
تقلّصت مساحات القمح والشعير، وتراجعت زراعة الخضار الموسمية، فيما ازداد الاعتماد على محاصيل بسيطة تتحمل الجفاف مثل العدس والحمص.
في المراعي الجبلية، انخفض الغطاء النباتي إلى أدنى مستوياته، ما أدى إلى تراجع الثروة الحيوانية وهجرة بعض المربين نحو محافظات أخرى.
البيانات المناخية المحلية تشير إلى استمرار الارتفاع في درجات الحرارة بمعدل درجتين فوق المعدل الموسمي خلال عام 2025، مع زيادة أيام الحرّ الطويلة وقلة الليالي الرطبة.
الرياح الجافة والغبار المتكرر ساهمت في إنهاك التربة وإفقادها خصوبتها، بينما لم تشهد المنطقة أي عاصفة مطرية قوية منذ أكثر من 18 شهراً.
القنيطرة تدخل خريف 2025 وهي تواجه جفافاً ممتداً للسنة الثانية على التوالي. السدود شبه خالية، الآبار متعبة، والزراعة في تراجع مستمر.
استمرار هذا الوضع يعني خسارة مساحات جديدة من الأراضي الزراعية وارتفاع المخاطر على الأمن الغذائي في المحافظة.
الواقع الحالي يفرض تحركاً سريعاً لإدارة الموارد المائية بطرق أكثر فعالية، وتنفيذ مشاريع تغذية جوفية وإعادة تأهيل السدود قبل أن يتحول العجز المائي إلى أزمة دائمة يصعب معالجتها.
Add a Comment