الحمضيات… ذهب الساحل السوري الأخضر بين التحديات والآمال
إعداد الإعلامية :
/ سمر جهاد إبراهيم /
على امتداد الساحل السوري، من اللاذقية إلى طرطوس، تتلألأ بساتين الحمضيات كقلائد خضراء تعكس جمال الأرض وخصوبة تربتها.
فالمناخ المتوسطي المعتدل، والرطوبة العالية، والتربة الغنية، جعلت من هذه المنطقة موطنًا مثاليًا لزراعة الحمضيات التي تُعدّ اليوم من أبرز المحاصيل الاقتصادية في البلاد، ومصدر رزق لآلاف الأسر الريفية.
ورغم ما تواجهه هذه الزراعة من تحديات في التسويق والتخزين والتصدير، فإنها ما تزال تشكل ركيزة أساسية في الاقتصاد الزراعي الوطني، ومجالًا واعدًا للاستثمار الزراعي والغذائي.
الحمضيات… شجرة الحياة والاقتصاد
الأهمية الاقتصادية:
تُعدّ الحمضيات من أكثر المحاصيل ربحًا وانتشارًا في الساحل السوري، حيث تشكل نسبة كبيرة من الإنتاج الزراعي في المنطقة.
تؤمن فرص عمل دائمة وموسمية في الزراعة والقطاف والتعبئة والنقل، كما تدخل في صناعات غذائية متنوّعة مثل العصائر والمربيات والزيوت العطرية.
الأهمية الغذائية:
ثمار الحمضيات غنية بفيتامين (C) ومضادات الأكسدة والألياف، وتُعدّ غذاءً طبيعيًا يقي من أمراض الشتاء ويعزز المناعة، مما يجعلها ضيفًا أساسيًا على موائد السوريين.
الأهمية البيئية:
بساتين الحمضيات ليست مجرد مصدر إنتاج، بل هي رئة خضراء للساحل، تسهم في تثبيت التربة ومنع انجرافها، وتساعد على تلطيف المناخ المحلي وزيادة الغطاء النباتي.
تنوّع الأصناف… غنى الساحل السوري
تتنوع أصناف الحمضيات المنتجة في سوريا، وأشهرها:
البرتقال: بأنواعه (أبو صرة، فالنسيا، يافاوي، بلدي)، وهو الأكثر انتشارًا وإنتاجًا.
اليوسفي (الكلمنتين): محبوب الأطفال والكبار لطعمه الحلو وسهولة تقشيره.
الليمون: بعدة أصناف، أهمها الليمون الحامض والماير والبنزهير، ويتميز بإنتاجه الممتد على مدار العام.
الجريب فروت (الزنبوع): يزرع في المناطق الدافئة ويستخدم للاستهلاك الطازج والصناعي.
من الغرس إلى الثمار… رحلة العناية بالحمضيات
نجاح زراعة الحمضيات يبدأ من اختيار الموقع والتربة المناسبة ذات الصرف الجيد، مرورًا بزراعة الغراس المطعّمة على أصول مقاومة للأمراض، وصولًا إلى الري المنتظم والتسميد المتوازن.
يُفضَّل اعتماد الري بالتنقيط لتقليل الفاقد المائي، مع التركيز على الأسمدة العضوية والعناصر الصغرى لتحسين جودة الثمار.
كما أن التقليم السنوي ومكافحة الآفات مثل ذبابة الفاكهة والمنّ والحشرات القشرية ضروري للحفاظ على صحة الأشجار وإنتاجيتها.
ويؤكد المهندسون الزراعيون أن “تطبيق برامج المكافحة المتكاملة (IPM) بات اليوم ضرورة ملحّة لتقليل استخدام المبيدات وحماية البيئة الساحلية.”
موسم القطاف… عطاء الأرض وقلق التسويق
يبدأ موسم الحمضيات في الخريف ويمتد حتى نهاية الشتاء، حيث تتزين الأسواق المحلية بثمارها الزاهية.
ويقدَّر متوسط إنتاج الشجرة الواحدة بـ 50 إلى 100 كغ، حسب الصنف والعناية.
ورغم وفرة الإنتاج وجودته، تواجه الزراعة تحديات في التسويق والتخزين، إذ لا تزال البنية التسويقية وضعف التصدير من أبرز العقبات التي تعوق وصول الحمضيات السورية إلى الأسواق الخارجية.
توصيات للنهوض بالقطاع
- تجديد البساتين القديمة بغراس محسّنة وذات إنتاجية عالية.
- اعتماد الري الحديث لتقليل استهلاك المياه وتحسين جودة الثمار.
- تطبيق المكافحة المتكاملة لحماية البيئة وتقليل كلفة الإنتاج.
- تطوير عمليات ما بعد الحصاد كالفرز والتعبئة والتخزين البارد.
- تعزيز الصناعات التحويلية كالعصائر والزيوت والمستخلصات.
- تنظيم التسويق المحلي والتصدير عبر التعاونيات والمراكز التسويقية.
الخاتمة
زراعة الحمضيات ليست مجرد نشاط زراعي، بل قصة انتماء بين الإنسان والأرض في الساحل السوري.
هي رمز العطاء والخصب والجمال، وثروة وطنية تحتاج إلى إدارة واعية ودعم مستمر لتبقى ذهب سوريا الأخضر متألقًا في الحقول والأسواق.
Add a Comment